الازمة المالية العالمية

أيقونة

مدونة تهتم بالازمة المالية العالمية وتبعاتها

الازمة الحالية ماهي الا رأس جبل الجليد !

نيويورك، الولايات المتحدة (CNN)– يحاول الأمريكيون في الوقت الحالي النجاة بأنفسهم من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بهم من كل جانب، وهم يخشون أن اقتصادهم بدأ يدخل في مرحلة كساد فعلي، غير أنهم غير مدركين إلى حقيقة أن الكارثة الاقتصادية الأكبر قادمة!

والكارثة الاقتصادية الأكبر المحتملة ستأتي بعد أن يعتقد الأمريكيون أنهم اجتازوا عنق الزجاجة في الأزمة الاقتصادية الحالية وفق ما يشير محللون اقتصاديون.

فمع دخول القرن الحادي والعشرين، بلغ حجم الدين الأمريكي 5.7 ترليون دولار، ومع اقتراب نهاية “عهد الرئيس جورج بوش”، أي بعد مرور ثماني سنوات فقط على بداية القرن، يمكن القول إن حجم الدين تضاعف تقريباً، ويعود ذلك لأسباب تتعلق بالحروب التي تشنها الولايات المتحدة والاقتطاعات الضريبية وزيادة الإنفاق، التي أضيفت إليها أعباء خطة الإنقاذ المالي الحكومية.

ويصف أحد المحللين الاقتصاديين العام 2008 بأنه “سيء للغاية”، وأسبابه في ذلك هي أن العجز في الموازنة الاتحادية في العام المالي الحالي بلغ 455 مليار دولار، بعد أن كان في العام الماضي 162 ملياراً فقط.

والرقم المذكور لا يشمل التكلفة الناجمة عن قانون “الاستقرار الاقتصادي الطارئ” لعام 2008، والذي تقدر تكاليفه بمئات مليارات الدولارات، والتي سيعود بعضها في نهاية المطاف إلى الخزينة الأمريكية، حيث ستستخدم الأموال الداخلة في خطة الإنقاذ المالي لتملك أسهم وعقارات ورهونات وغيرها.

ومع ذلك فكل هذه الحسابات لا تساوي شيئاً مقارنة بالكارثة المالية المحدقة التي ستطيح بالولايات المتحدة الأمريكية.

والكارثة تلك ليست مجرد أمر مستقبلي غامض، فقد بدأت تباشيرها تلوح في الأفق في وقت سابق من العام الحالي، عندما أصبحت المعلمة كاثلين كاسي كيرشلينغ أول أمريكية من جيل الطفرة الاقتصادية تتقاعد من وظيفتها لتبدأ الحصول على مزايا الضمان الاجتماعي.

وسيعقب كيرشلينغ 78 مليون أمريكي خلال الأعوام السبعة عشر المقبلة.

والمخصصات المستحقة من الضمان الاجتماعي وكذلك الرعاية الصحية تبدو مخيفة، ذلك أن تكلفة البرامج الحالية لهما، يمكن أن تؤدي إلى إفلاس الولايات المتحدة، وما من حل، مهما كان يبدو قادراً على إنقاذها من هذا المصير حتى الآن.

لقد اقترح البعض اتخاذ إجراءات أقل ثورية للمساعدة في تجاوزها، ومنها، التوفير في الموازنة الذي قد يتراكم جراء إلغاء خطة بوش للخفض الضريبي، وإنهاء حرب العراق أو توسيع الاقتصاد بعد انتهاء مفعول الأزمة الحالية.

بل وحتى إذا نجح الاقتصاد في تحقيق نمو بنسبة 3.2 في المائة سنوياً، كما حدث في تسعينيات القرن العشرين، إلى جانب الحصول على التوفير في الموازنة الذي أشرنا إليه سابقاً، فإنها لن تتمكن من مواجهة المشكلة المالية الاتحادية المنتظرة.

روابط ذات علاقة
في الأزمة المالية.. أين تبخرت كل تلك الأموال؟ ومن حصل عليها؟
تحليل مبسّط: كيف حدثت الأزمة المالية العالمية؟
علمياً.. الاقتصاد الأمريكي دخل بالفعل “مرحلة ركود”
غرينسبان: الاقتصاد الأمريكي يمرّ بأزمة “لا تحدث سوى مرة في القرن”
ويشير بعض الخبراء إلى أن الحل الوحيد يكمن في البدء باللجوء إلى “خيارات قاسية” منذ هذه الأيام لتغيير مجرى الأحداث المستقبلية القاتمة، وإلى أن التأخير سيفاقم من الأزمة.

ويعتقد الخبراء أن الظروف المالية المتدهورة للحكومة الاتحادية في مواجهة تكاليف الرعاية الصحية المتزايدة واستحقاقات التقاعد لجيل الطفرة الاقتصادية يمكن وصفها بأنها “أزمة قروض خارقة”، ستجعل من الأزمة الحالية مجرد “قزم” عند المقارنة بينهما.

ووفقاً لمكتب المحاسبة والمساءلة الاتحادي، تقدر الالتزامات الحكومية غير الممولة للرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وحدهما بنحو 41 ترليون دولار، أي ما يعادل 325 ألف دولار لكل أسرة، وهو مقدار العجز الحالي بين التكاليف المتزايدة لرواتب الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية التي ينبغي دفعها لتلك الأسر خلال السنوات الخمس والسبعين المقبلة.

أما لماذا وصفت بأنها “أزمة قروض خارقة”، فرغم “هولها” فهناك العديد من الأمور المتشابهة مع أزمة القروض الحالية.

أولاً، البرامج الحكومية الفيدرالية تنفذ دون دراسة متأنية خاصة بشأن من سيتحمل العبء النهائي لهذه التكاليف.

ثانياً، إن انعدام الشفافية حول أزمة القروض أدت إلى العديد من المفاجآت الكبيرة والخسائر الهائلة للمستثمرين، و”صندوق الائتمان” الحكومي لا يوفر ضمانة وإنما دين حكومي أكبر.

ثالثاً، وبالطريقة نفسها، سيفشل المديرون في مؤسسات القطاع الخاص في منع أزمة القروض المقبلة كما فشلوا في منع الأزمة الحالية، ذلك أن الكونغرس والإدارة الأمريكية أداروا وجوههم عن التكاليف المتعلقة ببرامج الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والخفض الضريبي.

ويقول أحد الخبراء الاقتصاديين إن محور تلك الأزمات هو الإخفاق الجماعي للقيادات على التصرف في مواجهة التحديات المعروفة.

وخلال الأزمات الاقتصادية السابقة والحروب، ظلت الحكومة تستدين لأن بقاء الدولة بات مهدداً، وما تغير هو أن تراكم الديون أصبح عملاً اعتيادياً، حتى في أوقات الرخاء الاقتصادي.

واليوم، تتجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو مستويات دين غير مسبوقة وتتجاوز كل الأرقام القياسية المسجلة سابقاً، بل ومن المتوقع أن يرى الأمريكيون ديونها عام 2040 وقد تضاعفت بشكل يفوق ما سجل في نهاية الحرب العالمية الثانية.

بالإضافة إلى ذلك فإن الأزمة المقبلة لن تكون رقمية وديموغرافية فحسب، بل وذات مبادئ أخلاقية أيضاً، مثل الوعود السابقة عندما بدت ممكنة التحقيق.

ويقول المحلل الاقتصادي الأمريكي ديفيد والكر إن الحل يكمن في تعيين خبراء وذوي مواهب ومهارات لوضع حلول للأزمة المقبلة، وهو ما تزخر به الولايات المتحدة.

ويطالب أيضاً بإيجاد قيادة في واشنطن وليس إدارة متقاعسة.

Filed under: مقالات خبراء, آثار الأزمة

لولا عقائدهم ما نهضوا

واقعٌ جديدٌ يصوغ العالمَ الآن.
عالمٌ لم تعد الولاياتُ المتحدة التي تقود اقتصاده، ولم تعد نغماتُ جرس الوول ستريت تنبه أحداً. ربما، آخرُ جبروت أمريكا الاقتصادي أنها أرسلت موجة التسونامي الكاسحة للعالم.. بعد أن كادت تغرق بها.أوروبا؟ العالمُ لا يثق بأنها ستأخذ عصا المايسترو الأمريكي لتقود سيمفونية الاقتصادية العالمية.
ولا نعتمد على كلامٍ من عندنا، فمهما قرأنا وعرفنا نبقى محدودين بما نقرأ وما نعرف، إن لم نكن فرسانا حقيقيين في ساحةِ الاقتصاد الدولي.. والسيد “ميشيل كامديسوس” واحد من هؤلاء الفرسان، وكان قد اعتلى سابقا صهوة حصان صندوق النقدِ العالمي، ولا نرى فارسا يرى ساحة العمل المالي والاقتصادي أنسب منه للاستشهاد.السيد كامديسوس قالها جهارا في مؤتمر عالمي:” إن الولايات المتحدة لم تعد المحرك الرئيس للنماءِ الأرضي”، وقالها بشكل قاطع، مستخدما الجملة الإنجليزية المقــرِّرة: No longer.حسنا، نحتاج إذن إلى توجيه بوصلة أفكارنا من جديد. وهذه مهمةٌ كبرى، لا يمكن أن يحتويها مجردُ مقال، أو حتى مجرد شخص مهما بلغ من نفوذِ الرأي وكشف المستقبل.ولكنها نظرة من واقع العالم، وهذا التغير الذي صار في السيطرة العالمية الاقتصادية، أو قل إنه يتغير بشكل ملحوظٍ من السيطرة إلى الريادة.
أي من سيطرة الرأسمالية الأمريكية، إلى خليط من الأنظمة الاقتصادية ولكن يجمعها روح مهمة نحسر عنها الغطاءَ بعد أن نوضح أشياء أخرى.هل هذا يدفع لليأس والإحباط؟ برأيي: كلا، ولو هما ينفعان لكنا لهما من أول المنادين، ولكن الجيـِّدون الذين سيستفيدون من معطيات وعِبَر وتجارب الأزمة الذين سيكونون قد حجزوا صفوفاً أمامية في حافلةِ الاقتصاد الأرضي، ومن في الصف الأمامي يتجلى لهم النظر بشكل أوسع، وأصفى، وقبل الآخرين، فتكون فرصهم أزهى، وقراراتهم الكبرى أصوَب.
لعلنا كنا نحتاج إلى أزمةٍ مثل هذه لنستيقظ، لندرك، من تجربةٍ مؤلمةٍ ودُفِعَ ثمنـُها بغالي الأثمان، خبرةً وإدراكاً نتكئ عليهما لننطلق لآفاق جديدة.. المهم ألا نجرّب الإصلاحَ من المنبع ذاته الذي انتشر فيه العكـَرُ. العقلُ أسمى آلةٍ بشريةٍ، وما وضعه الخالقُ إلا ليبدع، وللإبداعُ يحتاج إلى المآزقَ لكي يخرج منها، ثم يطور طرقا جديدة تمنع وقوع الخطأ من جديد، وضرْبُ الرحالِ في مساراتٍ جديدةٍ ومشرقةٍ وواعدة.
تصريحاتُ السيد “كامديسوس”، قد تكون صادمة لمن ربطوا أنفسهم مع الولايات المتحدة كشريكٍ تجاري رئيس، وبحسب درجةِ ذلك التعلق.
ولا يخفى أن طبيعة علاقاتنا التجارية مع الولايات المتحدة تقع ضمن هذا الإطار لعوامل تاريخيةٍ طويلةٍ نفهمُها كلنا.
وهي ليست دعوةٌ للندم، أو للتباكي على لبنٍ سُكِب، فما زالت أمامنا كل الفرص، قد يأتي وقتٌ قريبٌ نجد أن الأمورَ انساقت في مصلحتنا، فعسى نكره شيئا وهو خير لنا. لكل زمانٍ ظروف.. والزمنُ القادم الجديد سيكون له ظروف جديدة قادمة.
وإني أرجو النظر من جديدٍ للصين والهند.. القادمان الكبيران في الاقتصادِ الكوني.. ونقول إن طبيعتهما جاءت ريادية ولكن ليست إملائية أو قيادية، ونتعلم الدرسَ، فهما لم يبزغا بين يوم وليلة ولكن من عملٍ مضن، لم تقم به الشركات ولا المؤسسات الكبرى، إنما قامت بها مجموعاتٌ ضخمة من أصحاب الروح العملية البناءة والعصامية، منهم المهندسون والتقنيون والماليون والاقتصاديون والمبتكرون وصناع النجاح الفردي.
نأمل الآن أن يكون ملحقونا التجاريون قادرين على مراقبة ودرس الوضع في البلدين الكبيرين، وأن تزوَّد الملحقياتُ بالقدرات والأدوات لإنجاز المهمة لتفعيل التعاون التقني، والشراكات التجارية، وتبادل المنافع والخبرات معهما، وما نريد منهم، وما يحتاجون إليه منا.
وكأن العالم في القادمِ من الأيام خياري أكثر مما كان.. وهذا أكثرُ عدلاً وفُرَصا.
لم يكن للصين والهند هذا النهوضُ، وهذا ما أجلت الحديثَ عنه قليلا، لو لا عاملٌ حاثٌّ ومكين وهو التشبث بحضارتيهما وثقافتيهما التاريخيتـَيْن.
ولو استدركنا فنحن أكثر حظا، وأسمى هدفا، في هذا العاملِ بالذات.. فلدينا الإسلام.

نجيب الزامل – صحيفة الاقتصادية

من البريد – جمال

Filed under: مقالات خبراء

سبب الازمة .. انتم !

الاقتصادية – د. أنس بن فيصل الحجي 28/10/2008

تبيّن في المقالات السابقة أن السبب الرئيس للأزمة هو التدخل الحكومي، وأن الأزمة لا علاقة لها بالرأسمالية أو حرية الأسواق. كما تبيّن في المقال الماضي أن صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت مقالا منذ نحو تسع سنوات تنبأت فيه بالأزمة بسبب “التدخل الحكومي” في ذلك الوقت، الذي أجبر البنوك على إقراض من لا يمكن إقراضه.

أعيش في وسط معمعة الأزمة المالية بحكم عملي في شركة استثمارية في الولايات المتحدة، ورغم دهشتي من تسارع الأحداث في الأسابيع الأخيرة، والانخفاض المريع في أسعار النفط، إلا أن دهشتي من ردة فعل آلاف الأئمة والخطباء والكتّاب في عالمنا الإسلامي كانت أكبر. فرغم عجز عباقرة أسواق المال عن إيجاد حلول للأزمة، اكتشفنا أن لدينا في عالمنا العربي آلاف الخبراء.

ورغم إيماني بأن الإسلام، الدين الشامل والكامل، هو الحل، ورغم إيماني الكامل بأن الربا بجميع أشكاله حرام، وأن جميع البيوع التي تتحايل على الربا حرام، إلا أنني لا أستطيع أن أخفي دهشتي من المقالات التي نعت الرأسمالية والعولمة وحرية الأسواق، والمقالات والتعليقات التي يقصر فيها كتابها سبب الأزمة على الربا، موحين بأنه لو حرّمت أمريكا الربا لما حصلت الكارثة. طبعا لم أفاجأ بهذه المقالات، ولكن فاجأني منطقها. مثلا، ماذا سيكون موقف هؤلاء الخطباء والكتّاب والمعلقين لو تجاوز الاقتصاد الأمريكي هذه الأزمة وبدأ بالنمو من جديد؟ وماذا لو حصل هذا النمو والازدهار في فترة انخفضت فيها أسعار النفط وبدأت دول الخليج بتحقيق عجز في موازناتها وبدأت بالاستدانة من الدول التي يشمت بعضهم فيها الآن؟ والأنكى من ذلك، ماذا لو بدأت هذه الدول بالاستدانة من البنوك نفسها التي يشمت بعضهم فيها الآن؟ هل ما أقوله ضرب من الخيال، أم أنه يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها؟

الأزمة بين العاطفة والمنطق

لقد قام كثيرون بإقحام الإسلام في وسط الأزمة، كما أقحموا عديداً من الآيات القرآنية، متناسين أن الحلول الإسلامية لا تكون لمشكلات أنظمة أخرى. فالإسلام نظام يمكن أن يحل مكان نظام آخر، ولكن لا يتوقع لقوانين نظام ما أن تحل مشكلات نظام آخر. السؤال الذي يجب أن يجيب عنه من أقحم الإسلام في الأزمة هو: لو كان هناك إنسان غير مسلم يقرأ ما تكتبوه، أو يسمع ما تقولوه، وأن الله “محق” أموال الأمريكيين بسبب الربا، ثم نما الاقتصاد الأمريكي وحققت البنوك الأمريكية أرباحا ضخمة، ماذا سيقول؟ من المخطئ، الإسلام، أم هؤلاء الذين أقحموا الإسلام والآيات القرآنية في الأزمة؟ ماذا سيقول هذا الشخص غير المسلم إذا رأى أنه في الفترة نفسها التي نمت فيها أرباح البنوك الأمريكية، تبخرت أموال دول الخليج، وتدهور اقتصادها بسبب انخفاض أسعار النفط؟ والأنكى من ذلك كله، ماذا سيقول هذا الشخص الأمريكي غير المسلم إذا ربطنا الموضوع بالإسلام، ورأى معاملة المسلمين لزوجاتهم وإخوانهم؟ أو قيادتهم للسيارات في شوارع المدن الإسلامية؟ وماذا يقول هذا الشخص غير المسلم الذي وقف في الطابور أمام الجوازات أو خطوط الطيران في المطار ليرى الأشخاص أنفسهم الذي ينادون بـ “أسلمة” الأنظمة الأمريكية يتجاوزون الطابور وكأن بقية الناس لا قيمة لهم؟ وماذا سيقول عن الشخص الذي يصر على أن الربا سبب الأزمة، ولكنه لم يعط العمال في شركته أجورهم منذ شهور؟ وماذا سيقول عندما يرى إشارة ممنوع التدخين، وأحد المسؤولين يدخن تحتها؟

وماذا سيقول هذا الشخص عندما يسمع بعضهم يقول إن السبب هو الربا، وأمامه شخصان اشتريا بيتين متماثلين، واستدانا المبلغ نفسه من البنك نفسه، وبمعدلات الفائدة “الربا” نفسها، أحدهما راتبه ألفي دولار وخسر بيته لعدم قدرته على الدفع، والآخر بقي في بيته لأن راتبه ثلاثة آلاف دولار وقادر على الدفع؟ إن الذين يقصرون الأمر على الربا يقعون في مأزق كبير: هل “المَحق” يقتصر على الفقراء فقط؟ لماذا خسر غير القادر على الدفع بيته، وبقي القادر على الدفع في بيته؟

والمدهش في الأمر أيضاً أن الأشخاص الشامتين بأمريكا وأوروبا، والذين يرون أن الحل في تطبيق الاقتصاد الإسلامي، يستشهدون بما كتبه ديفيد وجون وتوماس ضد آراء محمد وعبد الله وأنس! لماذا؟ هل لأن تلك الكتابات تتفق مع أهوائهم، بغض النظر عن مؤهلات جون وديفيد وتوماس؟ يبدو أنه يكفي لدى بعضهم أن يكون الاسم “فرنجيا” ليعطي مصداقية لفكرة “إسلامية”! وما أذهلني أن بعض الشامتين مستعدون لبيع الغالي والنفيس للعيش في أمريكا، وسيكون لهذا الموضوع مقال آخر.

أما الذين توقعوا أن هذه الأزمة ستؤدي إلى سقوط الولايات المتحدة، فقد تناسوا أمورا كثيرة، منها أن الأمريكيين أكثر تطبيقا للمبادئ الإسلامية في حياتهم اليومية من شعوب الدول الإسلامية، وأن أمريكا تجدد دمها باستمرار عن طريق تجنيس مئات الألوف من شتى أنحاء الأرض كل عام، وأنه حتى لو أخطأ زعماء الولايات المتحدة أخطاء فادحة، فإن النظام يصحح نفسه بسرعة عن طريق انتخابات الكونغرس كل سنتين، وانتخابات الرئاسة كل أربع سنوات، وانتخابات مجلس الشيوخ كل ست سنوات.

أقول لكل من شمت بالأزمة، ولكل من تنبأ بسقوط الرأسمالية بسبب هذه الأزمة بالذات، ولكل من نظر إليها بسطحية وربطها بالربا، الأفضل أن تجهزوا أجوبتكم من الآن، لأن النمو قادم! وكنت قد حضرت نقاشا بين شباب مسلمين وأمريكيين، واحتد أحد الشباب المسلمين مشيرا إلى تحريم الربا، ثم استشهد بالآيات، فصعقه جواب أحد الأمريكيين “لا أؤمن بكتابك ولا برسولك، فكيف لي أن أقتنع بأدلتك القرآنية؟” الدرس كان بليغا: إذا كانت مهمة المسلم هي الدعوة إلى الله، فالشماتة ليست الطريق الذي يحقق هذا الهدف، وموضوع الربا ليس الطريق الصحيح لطرح الإسلام على غير المسلمين. خبرة المغتربين أثبتت أن “الدعوة الصامتة” متمثلة في السلوك الحسن هي أفضل طريق لقلوب الآخرين.

نحن لسنا بحاجة إلى من يتشدق بأمجاد الإسلام، ومنجزات الإسلام التاريخية، وبقدرة الاقتصاد الإسلامي على حل المشكلات الاقتصادية. نحن بحاجة إلى أن يكون الشخص أفضل أخ، وأفضل ابن، وأفضل أب، وأفضل زوج، وأفضل صديق، وأفضل طالب، وأفضل مدرس، وأفضل موظف، وأفضل سائق، وأفضل مسافر، وأفضل مالك، وأفضل مستأجر، وأفضل مدير، وأفضل باحث، وأفضل طبيب وأفضل مهندس، وأفضل صحافي، وأفضل…وأفضل. عندها لن يكون هناك أزمات مالية! هل عرفتم سبب الأزمة الآن؟

من موقع ارقام

Filed under: مقالات خبراء, الازمة والإسلام

انتفاضة قوية لأسواق المال العالمية بعد اسبوع دموى

عد اسبوع عرف بانه الاسوأ لأسواق المال العالمية منذ انهيار عام 1987م ، ابتهجت اسواق المال العالمية اليوم الاثنين عند افتتاحها صباحا في شرق القارة الاسيوية على وقع اجتماعات مجموعة السبع والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى ، لمحاولة تطوير الازمة المالية التى عصفت بالاقتصاد والنظام المالي العالمي ..

فقد فتحت الاسواق الاسيوية على ارتفاعات كبيرة بقيادة بوصة هونغ كونغ التى اضافت 10.5% تلتها البورصة الهندية بارتفاع 7.5% ، فالسنغافورية بـ 6.5% ، كما ارتفعت اسواق كل من استراليا وتايلند والصين وكوريا الجنوبية بنسب تراوحت بين 5.5% الى 3.5% ، ولم يشارك السوق اليابانى في هذه الاحتفالية الرائعة بسبب اجازة دينية ..

كما ارتفعت اسواق الشرق الاوسط والخليج بقيادة سوق دبى المالي الذى ارتفع بنسبة 10.5% تلاه السوق السعودي بارتفاع اقترب من النسبة القصوى عند 9.5% ليسجل اعلى ارتفاع في يوم واحد منذ اكثر من سنتين ليصعد فوق الحاجز النفسي 6000 ، ويغلق عند 6365 نقطة ، كما ارتفع السوق القطرى بنسبة 8.5% ، وارتفعت اسواق ابو ظبى وعمان ومصر والأردن بنسب تراوحت بين 3% الى 7% ، وبقى السوق الكويتى خارج هذه الاحتفالية ليغلق على تراجع طفيف ..

أما الاسواق الاوروبية فقد اغلقت على ارتفاعات كبرى لتعوض الكثير من خسائرها القاسية التى تكبدتها الاسبوع الماضي ، وقاد الارتفاعات في اوروبا مؤشر داكس الالماني الذى ارتفع بنسبة 10.5% كما ارتفعت مؤشرات فرنسا وايطاليا واسبانيا وبلجيكا وهو لندا ولكسمبورج والدنمارك والسويد بنيب تراوحت بين 9 و 10% ، في حين اغلق السوق السويسرى على ارتفاع 11% ، والنمسا على ارتفاع 12.5% ، وكان اكبر الرابحين هو السوق الكرواتي بارتفاع وصل 16% ..

وجاءت هذه الارتفاعات بعد اجتماعات متواصلة خلال عطلة نهاية الاسبوع للدول الاوروبية ومجموعة السبع وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، لمحاولة ايجاد الحلول الملائمة للخروج من الازمة المالية التى طوقت الاقتصادات العاليمة وكبدتها خسائر فادحة .. ففى باريس حيث يجتمع القادة الأوروبييون الخمسة عشر ، أعُلن عن خطة مشتركة لمواجهة الأزمة المالية ، حيث اعلنت بريطانيا انها ستدعم اكبر 3 بنوك في بريطانيا بـ 37 مليار جنيه استرلينى مقابل امتلاك اجزاء منها على شكل اسهم تحتفظ بها لبعض الوقت ثم تبيعها بعد تحسن الاوضاع المالية ، على ان يتم تحجيم مكافآت التنفيذين في تلك البنوك ، وهذه البنوك هى رويال بانك أوف سكوتلاند (Royal Bank of Scotland Plc) وليودز و اتش بوس (HBOS Plc ) .. في حين اعلنت فرنسا والمانيا واسبانيا والنمسا عن التزامها بمنح البنوك قروضا وضمانات مقدارها 1.5 تريليون دولار مقابل الاستحواذ على اسهم في تلك البنوك لحمايتها من الانهيار وبث الثقة من جديد في النظام المالي ..

كما وعدت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بتخصيص 400 مليار يورو في صورة ضمانات للقروض لتساعد على عودة الاقراض بين البنوك ، و20 مليار يورو لتغطية الخسائر المحتملة من جراء الديون المعدومة .. كما خصصت 80 مليار يورو لضخها في النظام المالي ..

وتأتى هذه الحزمة الكبيرة من الاجراءات الاوروبية بعد ان فقدت الاسواق الاوروبية الاسبوع الماضي اكثر من 22% من قيمتها السوقية ، وبعد اجراءات جماعية لخفض الفائدة في اوروبا وامريكا واسيا واستراليا لم تمنع الاسواق من نزيفها الحاد ، وبذلك تكون أوروبا قد حذت حذو الولايات المتحدة التى اقرت خطة انقاذ بقية 700 مليار دولار قبل حوالي 10 ايام ..

Filed under: مقالات خبراء

فشل الرأسمالية

فشل النظرية الرأسمالية

أ. د. جعفر إدريس     11/10/1429
11/10/2008

النظام الافتصادي الرأسمالي السائد في العالم اليوم, الذي انهار بعض أعمدته وبدأت أخرى تهتز في الولايات المتحدة وفي أوروبا وغيرها, نظام يقوم على نظرية اقتصادية معينة هي موضوع حديثنا في هذا المقال. فحديثنا ليس إذن عن الأسباب الاقتصادية وغير الاقتصادية المباشرة التي أدت إلى الكارثة الاقتصادية الراهنة, فهذا أمر له أهله وخبراؤه الذين أشبعوا الكلام فيه، وإنما هو عن النظرية التي كان العمل بها السبب الحقيقي لما يعانيه النظام الرأسمالي من مشكلات. فنقول إن الكارثة الاقتصادية الراهنة كانت دليلا يضاف إلى أدلة أخرى على فشل النظرية التي قام عليها الاقتصاد الرأسمالي. وهي دليل من ناحيتين: من ناحية أن العمل بالنظرية هو الذي أدى إلى الكارثة، ومن ناحية أن علاج الكارثة يتطلب الخروج على ما تقتضيه النظرية.
تقول النظرية إن الاقتصاد الناجح هو اقتصاد سوق يسمح بالملكية الفردية وبالبيع والشراء والادخار ويترك للسوق تحديد أسعار السلع، وإن هذا كله ينبغي أن يكون في حرية كاملة لا يحد منها أي تدخل من الدولة. كان الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث الذي عاش في قرنهم الثامن عشر هو أكثر من اشتهر بالقول بهذه الفلسفة الرأسمالية، لكن المؤرخين يقولون إنه هو نفسه تأثر بكتابات ماندافيل الذي كان أكثر منه غلوا في هذا الأمر فهو المشهور بقوله "إن الرذائل الفردية هي فضائل اجتماعية" في مجال الاقتصاد. كان سميث وغيره يقولون إنه لا بأس على الفرد أن يندفع لتحقيق مصالحه بدافع الأنانية، بل قال بعضهم بدافع الطمع ليحقق مصالحه وإن النتيجة ستكون ـ بفعل تلك اليد الخفية ـ أمر لم يخطر على بال الفرد، هي المصلحة العامة.
لكن الواقع أن هذه اليد الخفية لم تقم بالمهمة التي عزاها إليها سميث وغيره، وإنما أدى ذلك الطمع الفردي المتروك له الحبل على غاربه إلى تقسيم الثروة تقسيما ظالما بحيث إن قلة قليلة من المواطنين تصل أحيانا إلى 10 في المائة تمتلك ما يصل أحيانا إلى 90 في المائة من الثروة، ولا يمتلك 90 في المائة الباقون إلا 10 في المائة منها، ما جعل بعض الاقتصاديين الأمريكيين يقولون ساخرين إنه يبدو أن شيئا أصاب تلك اليد فشلها. وبدأت الفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد حدتها منذ سنين ما جعل بعض الاقتصاديين يقولون إنه إن استمر التفاوت على تلك الوتيرة فسيؤدي حتما إلى كارثة اجتماعية.
إن الأمر المثالي للنظرية الناجحة أن تكون النتيجة أحسن فأحسن كلما كان واقع العمل بها أقرب إلى مثالها النظري. لكن الغريب في النظرية الرأسمالية أنه لو كان الواقع مطابقا لصورتها المثالية لكانت الكوارث أكثر ما تكون. الصورة المثالية للنظرية هي ألا يكون للدولة أدنى تدخل في النشاط الاقتصادي. لكن هذا معناه ألا تفرض الدولة على الناس ضرائب، ولا تضع قوانين تقيد بها النشاط الاقتصادي، كأن تمنع صنع بعض الأشياء الخطرة أو المتاجرة بها، وكأن تحدد الأماكن التي تبنى فيها المصانع، وتضع لها شروطا صحية وبيئية وغير ذلك. لكن كل هذه القيود ما زالت تحدث إلى حد ما في الدول الرأسمالية. الدولة إذن تدخلت لكن تدخلها لم يكن بالقدر الذي يرفع الظلم، بل كانت تميل دائما إلى إعطاء الحرية للأغنياء مهما أدى ذلك إلى التضييق على الفقراء. خذ نظام الضرائب في الولايات المتحدة مثلا. إن الضريبة لا تؤخذ من رأس المال كما هو الحال في الزكاة وإنما تؤخذ فقط من دخل الفرد في العالم المالي. وهذا معناه أنه إذا كان هنالك شخصان أحدهما يمتلك مليوني دولار والآخر لا يمتلك شيئا، لكن دخل كل منهما في السنة المالية كان 100 ألف دولار، فإن نسبة ما يؤخذ منهما متساوية، أي أن الضريبة لا تتعرض لرأس المال الذي كان موجودا قبل السنة المالية. قال كيفن فلبس في كتابه عن "الديمقراطية والثروة" إنه لو أخذت ضريبة مقدارها 3 في المائة على رؤوس الأموال في أمريكا وحدها لما بقي على وجه الأرض فقير! ولعل القارئ لاحظ أن هذه النسبة قريبة جدا من نسبة الزكاة التي تفرض فعلا على رؤوس الأموال.
لكن دعاة الرأسمالية في الغرب لا يزالون يدافعون عنها رغم كل ما يرون من آثارها الضارة. أتدرون ما السبب في هذا؟ السبب أنهم ظنوا أن البديل الوحيد للنظام الرأسمالي الذي عهدوه هو النظام الاشتراكي الذي عرفوا صورا منه في الاتحاد السوفياتي وفي الصين قبل التعديلات التي أحدثها الصينيون فيه. وهم بهذا يخلطون بين كون الرأسمالية اقتصاد سوق وبين كون كل اقتصاد سوق هو بالضرورة اقتصاد رأسمالي.
لكن الحقيقة هي أن هنالك بديلا ثالثا هو الاقتصاد الإسلامي الذي هو اقتصاد سوق لكنها سوق منضبطة بضوابط القيم الإسلامية وهي قيم يغلب عليها مراعاة مصالح الفقراء ما يجنب المجتمعات الآخذة بها ذلك التفاوت الفظيع الذي نتج عن النظرية الرأسمالية. في قول الله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة:275)
بيان لهذين الأمرين ففي إحلال البيع إقرار باقتصاد السوق، وفي تحريم الربا تقييد له بقيم إسلامية هي في مصلحة الفقراء. ثم تأتي الزكاة التي هي أيضا في مصلحة الفقراء، بل تأتي القاعدة العامة التي تأمر بألا يكون المال دولة بين الأغنياء. وإذا كان الغربيون لم يعرفوا النظرية الرأسمالية إلا في صورتها التي قال بها سميث وغيره، فإننا نعلم من القرآن الكريم أنها نظرية قديمة كان من بين من قالوا بها قوم شعيب الذين رفضوا دعوة نبيهم لهم إلى العدل في معاملاتهم المالية بحجة أن المال مالهم فلهم الحق أن يفعلوا فيه ماشاؤوا.
(وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ . قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) (هود:84 -87)
شعار الفلسفة الرأسمالية يكاد يكون ترجمة لقول قوم شعيب هذا. فأهل مدين يريدون أن يفعلوا ما شاؤوا والفلسفة الرأسمالية تقول دعه يعمل laissez fair أي لا تتدخل في نشاطه الاقتصادي.
رفض الإسلام الفلسفة التي احتج بها أهل مدين على أساس أن المال ليس مملوكا ملكية مطلقة للبشر وإنما هو مملوك لله الذي يأمر البشر بأن يتصرفوا فيه وفق أوامره سبحانه.
من الآثار الحسنة التي نتجت عن هذه الكارثة أن كثيرا من المفكرين من اقتصاديين وغير اقتصاديين لم يعودوا يؤمنون بالنظرية الرأسمالية القحة، بل صاروا يدعون إلى تدخل من الدولة لإقرار العدل وصاروا يذمون الأنانية والطمع الذي كان من أسباب هذه الأزمة.
لقد بدأ الاهتمام بتعاليم الإسلام الاقتصادية في المجالات الأكاديمية في الغرب، بل إن الأمثلة العملية للمؤسسات الاقتصادية الإسلامية بدأت تبدي نجاحها بالنسبة لوصيفاتها الغربية كما يحدثنا البروفسور على خان أستاذ القانون في جامعة ووشبيرن في ولاية كنساس الأمريكية في مقال له عن الكارثة الاقتصادية الحالية "لقد بات التمويل الإسلامي يثير قدراً هائلاً من الفضول الأكاديمي. وكثيرون من الخبراء الذين شاركوا في المنتدى الثامن لجامعة هارفارد حول التمويل الإسلامي الذي أقيم في نيسان (أبريل) من هذا العام كانوا يتساءلون حول إذا ما كان بمقدور التمويل الإسلامي أن يمنع حالة الذوبان التي تشهدها الأسواق الأمريكية بسبب ديون الرهن والأوراق المالية المدعومة بالرهن- التي تعرف الآن بالاستثمارات السامة".
المأمول أن يكون في هذا عبرة للمسلمين يعيد إليهم الثقة بتعاليم ربهم ويشجعهم على الاستمساك بها في نشاطهم الاقتصادي لكي يضربوا للناس مثلا عمليا بحسنها وجدواها.

المصدر: من البريد

موقع الاسلام اليوم

Filed under: مقالات خبراء

ايها المواطن .. كيف تتصرف اثناء الازمة المالية؟

أصبحت أخبار الأزمة المالية العالمية، حديث المجتمع، وخصوصاً عندما فتحت البنوك وأسواق المال الخليجية أبوابها للتداول بعد إجازة عيد الفطر، وما حدث في السوق السعودي من انخفاض بالنسبة القصوى المسموح بها في يومها الأول وهي نسبة الـ 10%، ثم بنسبة 7% في اليوم الثاني.
من هنا بدأ المواطن العادي الذي لديه أسهم في الشركات السعودية يشعر بتأثير هذه الأزمة العالمية عليه في عقر داره. وبدأ الخوف والقشعريرة يدبان في بدنه الهزيل أصلا بعد انفجار فقاعة سوق الأسهم في فبراير عام 2006 عندما تجاوز مؤشر السوق رقم الـ 20.000 نقطة، وظل يتهاوى من حينها حتى منتصف 2007 عندما بدأ المؤشر في التصاعد مرة أخرى حتى تجاوز الـ 11.000 في بداية عام 2008، مما جعل الناس يتنفسون الصعداء أملا في عودة الأسهم إلى سابق عهدها، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان!
فمنذ يوم 12/1/2008 عندما بلغ المؤشر 11.697 نقطة، أخذ المؤشر في التراجع التدريجي، حتى حصل الانهيار الثاني يوم 6/10/2008 عندما أقفل التداول متراجعا بالنسبة القصوى.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن المواطن العادي الآن هو ما علاقتنا بسوق الرهن العقاري في أمريكا؟ وما علاقتنا بأزمة أسواق المال العالمية؟
وللإجابة على التساؤلات لا بد أن نعترف أننا لا نعيش على هذا الكوكب لوحدنا، فنحن جزء صغير من هذا العالم الكبير 25 مليونا من مجموع 6500 مليون نسمة منتشرين في أرجاء المعمورة يأكلون ويشربون ويتبادلون منتجاتهم من خيرات هذه الأرض فيما بينهم سواء كانت منتجات زراعية أو صناعية أو معدنية أو خدمات… إلخ.
وحتى يتم تبادل كل تلك السلع والخدمات بين البشر، لا بد من تواجد شبكة متصلة من النقل والتمويل والتأمين (المؤسسات المالية بنوك وغيرها) فهذه المؤسسات تقوم بدور الشرايين والعروق التي تضخ المال في أرجاء الجسم الاقتصادي، ويكون المركز المالي مثل القلب في الجسد يضح الأموال اللازمة للحركة الاقتصادية في أرجاء العالم.
فماذا يحدث إذا أصيب ذلك القلب بأزمة قلبية؟
إذا أصيب قلب العالم بأزمة نقص (الدم) السيولة فسوف يعاني كل الجسم من الإعياء ونقص الحركة والنشاط في بقية أجزاء الجسم، وهذا هو ما يحدث الآن بالضبط.
إن قلب العالم المالي يقع في أمريكا، حيث يتم هناك تجميع الأموال من جميع أرجاء الكرة الأرضية، ثم يتم ضخها مرة أخرى في أرجاء الجسم الاقتصادي العالمي.
ونستطيع القول إن الاقتصاد العالمي اليوم أصبح كالجسد الواحد، والاقتصاد العالمي هو الآن في غرفة العناية المركزة يشتكي من نزيف حاد في قطاع العقار الأمريكي، ويحاول الأطباء إنقاذه بضخ دماء (أموال) جديدة في شرايينه وعروقه، فيما يعرف بخطة الإنقاذ التي صوت عليها وأقرها الكونجرس مؤخراً بقيمة 700 مليار دولار.
الجانب الإيجابي للأزمة!
الآن إذا عرف السبب، بطل العجب! ولكن السؤال المفتوح هو: كيف العمل؟ أي ماذا يفعل الإنسان تجاه هذا الموقف ليقلل من حجم الخسائر التي سوف تلحق به؟
أولا: المثل يقول الموت مع الجماعة رحمة، أي إنه طالما الخسارة ستلحق بالجميع، فأنا واحد من المجموعة ولست بمفردي، ما يقلل الشعور بالألم من أن الآخرين يربحون وأنا الخاسر الوحيد.
ثانياً: لكل شيء مزايا وعيوب، فدعنا ننظر إلى مزايا هذه الأزمة، لأن الجميع تحدث عن أضرارها، بما فيه الكفاية. يقول المثل العربي ما معناه إن (العريان في القافلة أمين) عندما تتعرض القافلة للنهب من قبل اللصوص.
فهذه الأزمة لن تمس الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين ليست لديهم أرصدة ضخمة في أمريكا وأوروبا، وليست لديهم استثمارات ضخمة في العقارات الغربية، وأسهم الشركات المحلية والعالمية، فهذه الفئة التي لم تستفد من الطفرة لن تتضرر من الأزمة.
ثالثا: كلنا كنا نشتكي من التضخم (الزيادة المستمرة والكبيرة في الأسعار)، وأستطيع أن أؤكد للجميع الآن أن ما قاله معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في شهر 6/1429 هـ، بأن معدل التضخم سينخفض في النصف الثاني من السنة الحالية قد تحقق.
فإن الأزمة المالية العالمية الحالية سوف تؤدي إلى تدهور أسعار جميع المواد الأولية (البترول والحديد والأسمنت والقمح والأرز والذرة) جميع السلع العالمية بدون استثناء، وذلك بسبب الانخفاض المتوقع في الطلب الكلي العالمي على السلع والخدمات، بسبب الأزمة المالية. وهذا كله يصب في مصلحة الفقراء وذوي الدخل المحدود.
رابعاً: لقد تعلم الناس كثيرا من الدروس في علم الاقتصاد من هذه الأزمة وأولها أنه ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع، أي إن دوام الحال من المحال، وإن علم الاقتصاد يؤكد دائما أن هناك دورات اقتصادية تتراوح ما بين الرواج والكساد، وكل مرحلة تقود بالضرورة للمرحلة التي تليها، هكذا دواليك صعوداً وهبوطاً، ومن حسن الحظ أن بعد هذا الهبوط سيأتي الصعود ولكن متى؟
كيف العمل؟
يقول لنا علم الاقتصاد إنه في مثل هذه الأوقات، يفضل الناس السيولة، أي الاحتفاظ بالأموال سائلة، أي على شكل نقود وعدم الدخول في استثمارات جديدة أو مضاربات في الأسهم أو الأراضي والانتظار حتى انجلاء الغبار، ووضوح الرؤية! ولذا فإن القوة الشرائية للنقود سوف تزداد مع انخفاض الأسعار نتيجة للأزمة المالية والكساد الذي يتلوها. كما يعلمنا التاريخ الاقتصادي أن تدخل الحكومة في الشأن الاقتصادي يكون مطلوبا في أوقات الأزمات لإخراج الاقتصاد من حالة الركود الذي أصابه، وضمان الودائع البنكية لصغار المودعين حتى لا تسود حالة من الهلع بين المواطنين ويسحبون فلوسهم من البنوك وينهار النظام الاقتصادي بكامله دفعة واحدة. وهذا ما لجأت إليه الحكومة الفدرالية من رفع ضمان الودائع في أمريكا من 100 ألف للفرد إلى 250 ألف، ضمن خطة الإنقاذ التي أقرها الكونجرس. كما أن حكومة أيرلندا قد ضمنت ودائع الأفراد بالكامل، وكذلك بعض الدول الأخرى بنسب مختلفة.
عندما يحدث حريق في أحد المباني، فإن أكبر عدد من الوفيات يكون بسبب الدهس عند التدافع للخروج وليس بسبب الاحتراق بالنار، وهكذا تكون أكبر نسبة خسائر في سوق الأسهم ليس بسبب إفلاس الشركات، أو تراجع أرباحها، ولكن بسبب التدافع للخروج من سوق الأسهم، فالجميع يريد البيع بسرعة لتفادي الخسارة، فتتحقق أعلى نسبة خسارة في سوق الأسهم في أقل وقت!
اندفاع الجميع للتخلص مما لديهم من أسهم وطرحها للبيع بدون وجود مشترين، يهوي بالسعر إلى الحد الأدنى، ولذلك فإن الاقتصاديين ينصحون بعدم البيع السريع في نفس الوقت، والتريث والانتظار، لأنه إذا حاول الجميع البيع في نفس الوقت، فإن الانهيار سيكون مؤكدا. وإذا لم يكن المرء في حاجة ماسة للنقود، فإنه من الأفضل أن ينتظر، لأن الأزمة ستنتهي عاجلا أم آجلا، وبعد هذا الهبوط الكبير سيكون هناك صعود مؤكد.
وديع احمد كابلي
* أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة

المصدر

Filed under: مقالات خبراء, نصائح

الدولار الأمريكي يحتضر وفي المراحل الأخيره من عمره

تعاني الولايات المتحدة الامريكية من أزمات داخلية وخارجية تتجلى بشكل واضح في الكوارث التي تحدق باقتصادها المنهار بشكل مستمر.
وتلجأ الادارة الامريكية، منذ عدة سنوات، إلى تغطية اثار هذه الكوارث باستنباط سياسات نقدية عديدة ينتج عنها انخفاض في قيمة الدولار على أمل امتصاص العديد من مشاكلها الاخرى، بناء على قناعة تقول إن موقع الدولار دوليا لن يتأثر نظراً إلى انه لا توجد عملة بديلة تستطيع أن تلعب دور المقاصّة الدولية في المعاملات التجارية الرئيسية، ولكن أيضا، لعدم احتجاج اللاعبين الدوليين الرئيسيين على توالي الإنخفاض في قيمة الدولار، كما هو الحال بالنسبة للصين التي تريد ان تحافظ على موقعها في سوق الإستهلاك الامريكي، وأيضا لعدم تجرؤ أحد على الإحتجاج، كما هو الحال بالنسبة للكثير من الدول النفطية العربية التي تخشى تسعير نفطها بعملة بديلة حتى ولو ظلت تخسر المليارات!
اذاً، الدولار يواصل مسيرة الانخفاض نحو الهاوية مقترناً بقناعات أمريكية بان مركزه الدولي لن يتأثر، الا ان هذا الحال يطرح تساؤلا جوهرياً: هل مازال الدولار عملة العالم السائدة (المقاصّة الأهم) أم أنه اصبح شيئا من الماضي؟
أحد أهم العناصر في هذا الموقع يكمن في النظام المالي الدولي نفسه. فهيمنة الدولار بدأت تتزعزع إنطلاقا من حقيقة أن هذا النظام نفسه صار يوفر بدائل ليست أقل جدارة بالثقة، مثل اليورو الأوروبي والين الياباني والبوند البريطاني، فضلا عن أن السلة التي تتضمن هذه العملات وغيرها، صارت تشكل وسيلة متاحة لتغطية الكثير من التعاملات الدولية بأقل تضخم واكثر حفظ للقيمة..
في المقابل، فان المناورات التي تتبناها الولايات المتحدة في سياساتها النقدية والمالية قائمة على المراهنة بان قوة الدولار لا تنبع من قيمته بل من عدم توفر أي امكانية للانقلاب عليه وظهور بديل. وهو ما ينظر اليه الكثير من الخبراء على انه “الخدعة الاخيرة” للدولار والتي تتمثل في زيادة الديون الامريكية وخصوصاً الخارجية منها، حيث بلغ اجمالي الدين حدود 9.45 ترليون دولار، فيما يقدر الدين الخارجي بحدود 5 ترليون دولار.
وتؤدي الديون دورا مراوغا، لأنها تلزم الدائنين بإبقاء مساندتهم للدولار، للحفاظ على قيمة ديونهم. أي ان الولايات المتحدة، بينما تعمد إلى طباعة المزيد من الورق الخالي من القيمة، فانها تعتمد على الدائنين انفسهم لشراء المزيد من ذلك الورق الأخرق، وذلك لكي لا تنخفض قيمة ديونهم أكثر فأكثر.
وتشكل الصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا الدائن الرئيسي للولايات المتحدة (أو المشتري الرئيسي للدولار). فكلما احتاج الاقتصاد الامريكي إلى سلع وخدمات لجأ إلى الاستيراد من الخارج ودفع ثمناً لها دولارات لا تحمل قيمة اكثر من قيمة الورق. لان البنك الامريكي الفدرالي يغطي قيمة الدولار بسندات الخزينة التي تباع اغلبها إلى المستثمريين الاجانب. أي ان الاقتصاد الامريكي يحصل على سلع من الخارج ويدفع ثمنها بديون من أطراف اخرى في الخارج!
لقد استطاعت الولايات المتحدة الامريكية في العقود الاخيرة توظيف عملتها وجعلها عملة العملات من خلال خلق “هالة مقدسة” حول الدولار لتزرع الثقة لدى المستثمرين في هذه العملة او سندات الخزينة الامريكية، وبالتالي لم تظهر في تلك الفترة من احد المحللين او الاقتصاديين اي شكوك او احتمالات ان الدولار محاط بـ “هالة مزيفة” وانه يجب اعادة النظر في استمرار تبنيه كعملة دولية. وبذلك وقع الاقتصاد العالمي في فخ وخدعة ظهرت نتائجها واضحة كما يلي:

إن كل من اشترى سندات الخزانة الامريكية يعلم انه لا يمكنه ان يتخلى عن الدولار كعملة دولية لان امواله واستثماراته في السندات ستتهدد بالضياع في حال انهيار الاقتصاد الامريكي وانهيار الدولار.

– إن كل من باع إلى الولايات المتحدة الامريكية سلعاً وحصل على دولارات هزيلة يعلم أن سقوط الدولار يعني ضياع ادخاراته وأرباحه التجارية.

– إن كل الدول التي تحتفظ بالدولار كاحتياطات وغطاء لعملاتها المحلية تعلم أن اقتصادها وعملاتها ستنهار مع انهيار الدولار.

لذلك يعيش الدولار اليوم على اوكسجين هذه “الخدعة الاخيرة” وما ان تنكشف هذه الخدعة سيلقى الدولار مصير من يُرفع عنه الاوكسجين في غرفة العمليات.
وبناء على هذا التحليل، يمكننا أن ندرك لماذا تستثمر اغلب دول الخليج فوائضها المالية في الولايات المتحدة بنسبة تعادل 70% من إجمالي استثماراتها الاجمالية حيث أن من المتوقع أن تصل إلى حدود 2 تريليون نهاية هذا العام.. فزيادة الاستثمارات في الولايات المتحدة نابعة عن قناعة انه لابد أن تلعب تلك الدول دورا في انقاذ الاقتصاد الامريكي وعملته لان احتياطات وثروات بعض دول الخليج مدخرة بالدولار وبالتالي فهي تساهم بشكل غير مباشر في حماية ثرواتها من التآكل. هذا إذا وضعنا جانبا حقيقة تعرض هذه الدول إلى إبتزاز مباشر يجبرها على تققيم احتياطاتها بالدولار، وإبقاء كبش هذه الإحتياطات في حضن الذئب (على اعتبار انها “مأمونة” هناك!).
ولكن الحقيقة تبين عكس ذلك، فمخطىء كل من يعتقد أن هذه الاستثمارات تعتبر طوق نجاة للاقتصاد الامريكي الغارق، لان هذه الاستثمارات واضعاف من امثالها لن تنقذ الغريق بل ستغرق معه. ومخطئ من يظن ان الكبش مأمون في حضن الذئب إذا جاع.
وقد يكون من المفيد أن نعود إلى تاريخ ظهور الدولار كعملة دولية، لنجد انه تاريخ قائم على الخداع المالي ولا سيما خداع من وثق بهذه العملة. فبعد الحرب العالمية الثانية وخروج معسكر الولايات المتحدة وحلفائها منتصرين واعلان دعمها لمشروع اعادة بناء اوروبا وهو ما سمي بـ”مشروع مارشال” الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة اركان الجيش الاميركي سابقاً والذي أعلنه في 5 يونيو-حزيران 1947 في خطاب أمام جامعة هارفارد، تم تأسيس هيئة اقامتها حكومات غرب اوروبا للاشراف على انفاق 17 مليار دولار اميركي في اطار ما سمي “منظمة التعاون والاقتصادي الاوروبي” وذلك بحجة اعادة اعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الاوروبية.
هذا المشروع كان بحد ذاته “الخدعة الأولى” لجعل الدولار عملة العملات، وذلك من خلال تقديم ديون من الولايات المتحدة الامريكية إلى دول اوروبا بالدولار مقابل الحصول التدريجي على الذهب الذي كان متوفراً لدى البنوك المركزية الاوروبية. ونتيجة لادعاء البنك الفدرالي الامريكي ان كل دولار مغطى بشكل كامل بالذهب كـ “رصيد ذهبي”، شعرت الدول الاوروبية بالثقة بهذه العملة وجعلت منها عملة لاحتياطاتها واصبح الدولار بشكل او اخر غطاءً ورصيداً للعديد من العملات الاوروبية التي خسرت الكثير من احتياطاتها الذهبية لسداد بعض الديون التي ترتبت عن “مشروع مارشال”.
وبناء عليه، ظن العالم ان الدولار عملة تستحق ان تكون عملة العصر في تلك الفترة اذ كانت مغطاة بشكل كامل بالذهب بسعر (35 دولار لكل اونصة) وهي عملة المقاصة بين العملات “وحدة قياس” وهناك قبول عليه دولياً كونه هو نفسه غطاء لكثير من العملات.
ولكن كمية الدولارات التي كانت تطبعها الولايات المتحدة أقنعت الكثير من الدول بان قيمتها لا تساوي قياسها بالذهب. ومع انكشاف تلك الخدعة التي تمثلت بان الدولار لم يكن مغطى بالذهب بشكل كامل وان مليارات الدولار التي اصبحت في اوروبا ليست اكثر من ورق، ولا تعادل نفس القيمة التي حددها الفيدرالي الامريكي (35 دولار لكل اونصة). وعندما حاولت بعض الدول استرداد الذهب ببيع الدولار، وجد البنك الفدرالي الامريكي نفسه عاجزاً على تحويل الدولارات التي طبعها بدون رصيد وغطاء ذهبي، وبدأت مرحلة اعلان فصل الدولار عن الذهب. حيث اعلن الرئيس الامريكي نكسون بتاريخ 15/8/1971 ان قيمة الدولار لم تعد بعد الان مرتبطة بالذهب. وقال ان قيمة الدولار تحددها “قوة” الإقتصاد الامريكي نفسه. الأمر الذي أجبر كل الدول والمستثمرين الذين يحملون الدولارات على ان يكونوا معنيين بقوة ذلك الإقتصاد للحفاظ على قيمة الدولارات التي تحولت إلى عبء على أكتافهم.
ومنذ ذلك التاريخ لم يعد الدولار قابلا تحويله إلى ذهب، إلا بوصفه تعبير عن “قوة” الإقتصاد الأمريكي. وكإن لسان حال نكسون يقول ان قيمة الدولار تكمن بذاته وبكونه اصبح عملة العملات واصبح يملأ خزائن البنوك المركزية في العالم ولا احد يتجرأ على التخلي عنه لانه سيهدد عملات بلاده المحلية التي اصبحت مرتبطة بالدولار.
اذن، صعد الدولار بخدعة ومع انكشافها تحول إلى “عملة العملات” التي لا يمكن لدول العالم التي اصبحت تعتمد على هذه العملة كرصيد وغطاء لعملاتها ان تتنازل عنه.
أما اليوم، فـ”الخدعة الاخيرة” للدولار تنهار. أولا، لأن هناك عملات أخرى بدأت تحتل مكانا متزايدا في أسواق المال وفي التبادلات التجارية. وثانيا، لأن الإنخفاض المستمر في قيمة الدولارات يدفع الكثير من البلدان إلى التخلص من الدولار بشراء ما يمكن لها شراءه بالدولار من سلع وخدمات. وهذا ما يدفع أسعار النفط إلى الإرتفاع لأن الصين تشتري اكثر مما تحتاجه من النفط فقط من اجل ان تتخلص من الدولار. اضف الى ذلك انها مضطرة إلى ان تواصل شراء، ولو كميات أقل من سندات الخزانة الأمريكية لكي لا يبدو الأمر وكأنه تخليا مطلقا، يمكن بالتالي ان يدفع سعر الدولار إلى الإنهيار التام. فالصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا تحاول ان تبقيه على قيد الحياة طالما انها تواصل تصدير سلعها وخدماتها إلى الولايات المتحدة بديون او بدولارات مغطاة بسندات خزانة تدفع هي ثمنها.
ولكن هل سيأتي ذلك اليوم الذي تتجرأ فيه هذه الدول على التخلي كليا عن الدولار؟
تعلم الصين واليابان وغيرها من دائني الولايات المتحدة ان التخلي عن الدولار يعني انهيار الاقتصاد الامريكي وبالتالي ضياع ديونها ومعها اقتصادياتها. ولكن هذا لا يعني باي حال ان هذه الخدعة ستستمر إلى الابد لان بعض الدول بدأت أو ألمحت انها ستتخلى عن الدولار في معاملاتها الدولية أو في بيع النفط والغاز أمثال فنزويلا وايران، مما يعطي مؤشراً قوياً مترافقاً مع انخفاض مستمر للدولار بان التخلي عن الدولار سيتسارع وأن اول من سيقفز من هذا القارب الهش سيكون من الناجين وان المتمسكين به سيكونون في طريقهم بهذا القارب إلى الهاوية.
فاذا ما حدث وانهارت “الخدعة الاخيرة”، سنجد ان الدولار لم يعد يحمل اي معيار من معايير العملة الدولية التي يصنفها علم “المال والنقود” بما يلي:
– حافظ للقيمة: انحفاض الدولار المتواصل افقده صفة الحافظ للقيمة.
– مقبول دوليا: التخلي التدريجي عن الدولار اصبح مهدداً لقبوله في المستقبل
– وحدة قياس ومقاصة للعملات: كون الدولار بدأ يفقد المعيارين الاساسيين: حافظ للقيمة والقبول الدولي سيفقده صفحة المقاصة.
وكلما وجدت الصين واليابان وغيرها أسواقا خارج الولايات المتحدة، فانها ستجد نفسها غير مضطرة للدفاع عن “قوة” الإقتصاد الأمريكي. وحيث ان هذا الإقتصاد يتجه إلى الركود أصلا، فان الدفاع عنه سيكون بمثابة دفاع عن سد تتسع فيه الشروخ، بينما هو ينتظر الزلزال.
ان تعثر الاقتصاد الامريكي ما هو الا “نعي مسبق” يؤذن بان الدولار يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو وإن كان يبدو حياً شكلياً فهو ميت سريريا بقيمته وبكل مقاييس الفناء الأخرى. انه عملة الماضي التي تنتظر التشييع والدفن.
وتقبلوا تعازينا. فاقرأوا الفاتحة، يرحمكم الله.
وإنا لله، وإنا إليه راجعون.

عسان ابراهيم

Filed under: مقالات خبراء

كيف بدأت الأزمة؟

هذه مقالة تشرح بشكل مبسط كيف بدأت الأزمة

د. أنس بن فيصل الحجي
أكاديمي وخبير في شؤون النفط
23/09/1429هـ
صحيفة الإقتصادية
يعيش ‘سعيد أبو الحزن’ مع عائلته في شقة مستأجرة وراتبه ينتهي دائما قبل نهاية الشهر. حلم سعيد أن يمتلك بيتاً في ‘أمرستان’، ويتخلص من الشقة التي يستأجرها بمبلغ 700 دولار شهرياً. ذات يوم فوجئ سعيد بأن زميله في العمل، نبهان السَهيان، اشترى بيتاً بالتقسيط. ما فاجأ سعيد هو أن راتبه الشهري هو راتب نبهان نفسه، وكلاهما لا يمكنهما بأي شكل من الأشكال شراء سيارة مستعملة بالتقسيط، فكيف ببيت؟ لم يستطع سعيد أن يكتم مفاجأته فصارح نبهان بالأمر، فأخبره نبهان
أنه يمكنه هو أيضاً أن يشتري بيتا مثله، وأعطاه رقم تلفون المكتب العقاري الذي اشترى البيت عن طريقه
لم يصدق
سعيد كلام نبهان، لكن رغبته في تملك بيت حرمته النوم تلك الليلة، وكان أول ما قام به في اليوم التالي هو الاتصال بالمكتب العقاري للتأكد من كلام نبهان، ففوجئ بالاهتمام الشديد، وبإصرار الموظفة ‘سهام نصابين’ على أن يقوم هو وزوجته بزيارة المكتب بأسرع وقت ممكن. وشرحت سهام لسعيد أنه لا يمكنه الحصول على أي قرض من أي بنك بسبب انخفاض راتبه من جهة، ولأنه لا يملك من متاع الدنيا شيئا ليرهنه من جهة أخرى. ولكنها ستساعده على الحصول على قرض، ولكن بمعدلات فائدة عالية. ولأن سهام تحب مساعدة ‘العمال والكادحين’ أمثال سعيد فإنها ستساعده أكثر عن طريق تخفيض أسعار الفائدة في الفترة الأولى حتى ‘يقف سعيد على رجليه’. كل هذه التفاصيل لم تكن مهمة لسعيد
. المهم ألا تتجاوز الدفعات 700 دولار شهريا

باختصار، اشترى سعيد بيتاً في شارع ‘البؤساء’ دفعاته الشهرية تساوي ما كان يدفعه إيجاراً للشقة. كان سعيد يرقص فرحاً عندما يتحدث عن هذا الحدث العظيم في حياته: فكل دفعة شهرية تعني أنه يتملك جزءا من البيت، وهذه الدفعة هي التي كان يدفعها إيجارا في الماضي. أما البنك، ‘بنك التسليف الشعبي’، فقد وافق على إعطائه أسعار فائدة منخفضة، دعما منه ‘لحصول كل مواطن على بيت’، وهي العبارة التي ذكرها رئيس البلد، نايم بن صاحي، في خطابه السنوي في مجلس رؤساء العشائر.

مع استمرار أسعار البيوت في الارتفاع، ازدادت فرحة سعيد، فسعر بيته الآن أعلى من الثمن الذي دفعه، ويمكنه الآن بيع البيت وتحقيق أرباح مجزية. وتأكد سعيد من هذا عندما اتصل ابن عمه سحلول ليخبره بأنه نظرا لارتفاع قيمة بيته بمقدار عشرة آلاف دولار فقد استطاع الحصول على قرض قدره 30 ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من البيت. وأخبره أنه سينفق المبلغ على الإجازة التي كان يحلم بها في جزر الواق واق، وسيجري بعض التصليحات في البيت. أما الباقي فإنه سيستخدمه كدفعة أولية لشراء سيارة جديدة.

القانون لا يحمي المغفلين

إلا أن صاحبنا سعيد أبو الحزن وزميله نبهان السهيان لم يقرآ العقد والكلام الصغير المطبوع في أسفل الصفحات. فهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. هذه الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن. وهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة سترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة. وهناك فقرة أخرى تقول إنه إذا تأخر عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مرات. والأهم من ذلك فقرة أخرى تقول إن المدفوعات الشهرية خلال السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد. هذا يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت، إلا بعد مرور ثلاث سنوات.
بعد أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخرى بعد مرور عام كما نص العقد. وعندما وصل المبلغ إلى 950 دولاراً تأخر سعيد في دفع الدفعة الشهرية، فارتفعت الدفعات مباشرة إلى 1200 دولار شهريا. ولأنه لا يستطيع دفعها تراكمت عقوبات إضافية وفوائد على التأخير وأصبح
سعيد بين خيارين، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية، فاختار الأول، وتوقف عن الدفع. في العمل اكتشف سعيد
أن زميله نبهان قد طرد من بيته وعاد ليعيش مع أمه مؤقتا، واكتشف أيضاً أن قصته هي قصة عديد من زملائه فقرر أن يبقى في البيت حتى تأتي الشرطة بأمر الإخلاء. مئات الألوف من ‘أمرستان’ عانوا المشكلة نفسها، التي أدت في النهاية إلى انهيار أسواق العقار.

أرباح البنك الذي قدم قرضا لسعيد يجب أن تقتصر على صافي الفوائد التي يحققها من هذا القرض، ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. قام البنك ببيع القرض على شكل سندات لمستثمرين، بعضهم من دول الخليج، وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. هذا يعني أن البنك كسب كل ما يمكن أن يحصل عليه من عمولات وحول المخاطرة إلى المستثمرين. المستثمرون الآن يملكون سندات مدعومة بعقارات، ويحصلون على عوائد مصدرها مدفوعات سعيد ونبهان الشهرية. هذا يعني أنه لو أفلس سعيد أو نبهان فإنه يمكن أخذ البيت وبيعه لدعم السندات. ولكن هؤلاء المستثمرين رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات. نعم، استخدموا ديونا للحصول على مزيد من الديون! المشكلة أن البنوك تساهلت كثيرا في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف كمية الرهن. باختصار، سعيد يعتقد أن البيت بيته، والبنك يرى أن البيت ملكه أيضاً. المستثمرون يرون أن البيت نفسه ملكهم هم لأنهم يملكون السندات. وبما أنهم رهنوا السندات، فإن البنك الذي قدم لهم القروض، بنك ‘عمايرجبل الجن’، يعتقد أن هناك بيتا في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات، إلا أن كمية الديون تبلغ نحو 30 ضعف قيمة البيت!

أما سحلول، ابن عم سعيد، فقد أنفق جزءا من القرض على إجازته وإصلاح بيته، ثم حصل على سيارة جديدة عن طريق وضع دفعة أولية قدرها ألفا دولار، وقام بنك ‘فار سيتي’ بتمويل الباقي. قام البنك بتحويل الدين إلى سندات وباعها إلى بنك استثماري اسمه ‘لا لي ولا لغيري’، الذي احتفظ بجزء منها، وقام ببيع الباقي إلى صناديق تحوط وصناديق سيادية في أنحاء العالم كافة. سحلول يعتقد أنه يمتلك السيارة، وبنك ‘فار سيتي’ يعتقد أنه يملك السيارة، وبنك ‘لالي ولا لغيري’ يعتقد أنه يمتلك السيارة، والمستثمرون يعتقدون أنهم يملكون سندات لها قيمة لأن هناك سيارة في مكان ما تدعمها. المشكلة أن كل هذا حصل بسبب ارتفاع قيمة بيت سحلول، وللقارئ أن يتصور ما يمكن أن يحصل عندما تنخفض قيمة البيت، ويطرد سحلول من عمله!
القصة لم تنته بعد!
بما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم هذه السندات بناء على قدرة المديون على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير ‘أأأ’، وهناك سندات أخرى ستحصل على ‘ب’ وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء. لتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. وهكذا أصبح سعيد ونبهان وسحلول أبطال الاقتصاد العالمي الذي تغنى به الكاتب ‘توماس فريدمان
في النهاية، توقف
سعيد عن سداد الأقساط، وكذلك فعل نبهان وسحلول
وغيرهم، ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة. أما الذين اشتروا تأمينا على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركة التأمين ‘أي آي جي’. عمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تخفيف المخاطر عن طريق التخفيض من عمليات الإقراض، الأمر الذي أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام عملياتها اليومية، وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور، الأمر الذي أجبر حكومة أمرستان على زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لإنعاش الاقتصاد الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون! أما ‘توماس فريدمان’ فقد قرر أن يكسب
مزيدا من الملايين حيث سينتهي من كتابة قصة
سعيد أبو الحزن
عما قريب.
انتهت القصه و لم تنتهى المأساه

Filed under: مقالات خبراء

الصفحات

عن المدونة

تهتم هذه المدونة بنقل الأخبار و المقالات المتعلقة بتطورات الازمة المالية العالمية. هذه المدونة مفتوحة للجميع ومن اراد المشاركة بمقال او خبر غير موجود في المدونة بإمكانه الارسال عن طريق نموذج المراسلة اعلاه.

تنوية

ربما تلاحظ اخي الزائر تناقض بين بعض الاخبار المنقولة، لهذا انوه ان دور هذه المدونة هو جلب الاخبار والمقالات المتعلقة بالازمة وآثارها فقط، اما التحليل و تكون الفكرة العامة فهو دورك اخي الكريم.

الارشف